فصل: تفسير الآية رقم (28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآيات (24- 25):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
{أساطير الأولين} أي ما سطره الأولون، وكان النضر بن الحارث قد اتخذ كتاب تواريخ، وكان يقول: إنما يحدث محمد بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه، وماذا يجوز أن يكون اسماً واحداً مركباً من ما وذا، ويكون منصوباً بأنزل، أو أن تكون ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء، وذا بمعنى الذي، وفي أنزل ضمير محذوف {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} اللام لام العاقبة والصيرورة: أي قالوا أساطير الأولين، فأوجب ذلك أن حملوا أوزارهم وأوزار غيرهم، ويحتمل أن تكون للأمر {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من المفعول في يضلونهم، أو من الفاعل.

.تفسير الآيات (26- 27):

{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
{فَأَتَى الله بنيانهم مِّنَ القواعد} الآية: قيل المراد بالذين من قبلهم نمروذ، فإنه بنى صرحاً ليصعد فيه إلى السماء بزعمه، فلما علا فيه هدمه الله وخر سقفه عليه، وقيل: المراد بالذين من قبلهم كل من كفر من الأمم المتقدمة، ونزلت به عقوبة الله فالبنيان والسقف والقواعد على هذا تمثيل {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} توبيخ للمشركين وأضاف الشركاء إلى نفسه أي على زعمكم ودعواكم، وفيه تهكم به {الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} أي تعادون من أجلهم فمن قرأ بكسر النون فالمفعول ضمير المتكلم وهو الله عز وجل، ومن قرأ بفتحها فالمفعول محذوف تقديره تعادون المؤمنين من أجلهم {قَالَ الذين أُوتُواْ العلم} هم الأنبياء والعلماء من كل أمة، وقيل: يعني الملائكة واللفظ أعم من ذلك.

.تفسير الآية رقم (28):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
{ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} حال من الضمير المفعول في تتوفاهم {فَأَلْقَوُاْ السلم} أي استسلموا للموت {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سواء} أي قالوا ذلك، ويحتمل قولهم لذلك أن يكونوا قصدوا الكذب اعتصاماً به كقولهم: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] أو يكونوا أخبروا على حسب اعتقادهم في أنفسهم، فلم يقصدوا الكذب، ولكنه كذب في نفس الأمر {بلى} من قول الملائكة للكفار: أي قد كنتم تعملون السوء.

.تفسير الآيات (30- 31):

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)}
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} لما وصف مقالة الكفار الذين قالوا أساطير الأولين: قابل ذلك بمقالة المؤمنين، فإن قيل: لم نصب جواب المؤمنين وهو قولهم: خيراً، رفع جواب الكافرين وهو أساطير الأولين؟ فالجواب: أن قولهم خيراً منصوب بفعل مضمر تقديره أنزل خيراً، ففي ذلك اعتراف بأن الله أنزله، وأما أساطير الأولين فهو خبر ابتداء مضمر تقديره هو أساطير الأولين، فلم يعترفوا بأن الله أنزله فلا وجه لنصبه، ولو كان منصوباً لكان الكلام متناقضاً؛ لأن قولهم أساطير الأولين يقتضي التكذيب بأن الله أنزله، والنصب بفعل مضمر يقتضي التصديق بأن الله أنزله، لأن تقديره أنزل، فإن قيل: يلزم مثل هذا في الرفع، لأن تقديره هو أساطير الأولين، فإنه غير مطابق للسؤال الذي هو ماذا أنزل ربكم، الجواب: أنهم عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا هو أساطير الأولين، ولم ينزله الله {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} ارتفع حسنة بالابتداء وللذين خبره، والجملة بدل من خيراً، وتفسيره للخير الذي قالوا، وقيل: هي استئناف كلام الله تعالى، لا من كلام الذين قالوا خيراً {جَنَّاتُ عَدْنٍ} يحتمل أن يكون هو اسم الممدوح بنعم، فيكون مبتدأ وخبره فيما قبله أو خبر ابتداء مضمر، ويحتمل أن يكون مبتدأ وخبره يدخلونها أو مضمر تقديره: لهم جنات عدن.

.تفسير الآيات (33- 35):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)}
{هَلْ يَنْظُرُونَ} أي ينتظرون، والضمير للكفار وإنما أن تأتيهم الملائكة يعني لقبض أرواحهم {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} يعني قيام الساعة أو العذاب في الدنيا {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي أصابهم جزاء سيئات ما عملوا {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي أحاط بهم العذاب الذين كانوا به يستهزؤن، وهذا تفسيره حيث وقع {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} قالوا ذلك على وجه المجادلة والمخاصمة والاحتجاج على صحة فعلهم؛ أي أن فِعلنا هو بمشيئة الله فهو صواب، ولو شاء الله أن لا نفعله ما فعلناه، والرّد عليهم بأن الله نهى عن الشرك ولكنه قضى على من يشاء من عباده، ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك في الآخرة على وجه التمني فإن {لو} تكون للتمني والمعنى هذا أنهم لما رأوا العذاب تمنوا أن يكونوا لم يعبدوا غيره، ولم يحرموا ما أحل الله من البحيرة وغيرها.

.تفسير الآية رقم (37):

{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}
{فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ} قرئ بضم الياء وفتح الدال على البناء للمفعول أي لا يهدي غير الله من يضله الله وقرئ يهدي بفتح الياء وكسر الدال، والمعنى على هذا: لا يهدي الله من قضى بإضلاله {وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} الضمير عائد على من يضل، لأنه في معنى الجمع.

.تفسير الآيات (38- 39):

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)}
{بلى} ردّ على الذين أقسموا {لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} أي أنه يبعثه {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} اللام تتعلق بما دل عليه أي يبعثهم ليبين لهم، وهذا برهان أيضاً على البعث، فإن الناس مختلفون في أديانهم ومذاهبهم، فيبعثهم الله ليبين لهم الحق فيما اختلفوا فيه {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ} الآية: برهان أيضاً على البعث، لأنه داخل تحت قدرة الله تعالى.

.تفسير الآيات (41- 43):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)}
{والذين هَاجَرُواْ فِي الله} يعني الذين هاجروا من مكة إلى أرض الحبشة، لأن الهجرة إلى المدينة كانت بعدها، وقيل: نزلت في أبي جندل بن سهيل وخبره مذكور في السير في قصة الحديبية، وهذا بعيد لأن السورة نزلت قبل ذلك {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدنيا حَسَنَةً} وعد أن ينزلهم بقعة حسنة، وهي المدينة التي استقروا بها، وقيل: إن حسنة صفة لمصدر؛ أي نبوئنهم تبوئة حسنة وقرئ لنثوبنهم بالثاء من الثواب {الذين صَبَرُواْ} وصف للذين هاجروا، ويحتمل إعرابه أن يكون نعتاً أو على تقدير: هم الذين أو مدح الذين {إِلاَّ رِجَالاً} ردّ على من استبعد أن يكون الرسول من البشر {فاسألوا أَهْلَ الذكر} يتعلق بأرسلنا الذي في أول الآية على التقديم والتأخير في الكلام، أو بأرسلنا مضمراً وبيوحي أو بتعلمون.

.تفسير الآية رقم (44):

{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر} يعني القرآن {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} يحتمل أن يريد لتبين القرآن بسردك نصه وتعليمه للناس، أو لتبين معانيه بتفسير مشكلة، فيدخل في هذا ما بينته السنة من الشريعة.

.تفسير الآيات (45- 47):

{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}
{أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات} يعني: كفار قريش عند جمهور المفسرين، والسيئات تحتمل وجهين: أحدهما: يريد به الأعمال السيئات؛ أي المعاصي فيكون: مكروا يتضمن معنى عملوا، والآخر أن يريد بالمكرات السيئات مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فيكون المكر على بابه {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} يعني في أسفارهم {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ} أي بمفلتين حيث وقع {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} فيه وجهان أحدهما: أن معناه على تنقص أي ينتقص أموالهم وأنفسهم شيئاً بعد شيء، حتى يهلكوا من غير أن يهلكهم جملة واحدة، ولهذا أشار بقوله: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، لأن الأخذ هكذا أخف من غيره، وقد كان عمر بن الخطاب أشكل عليه معنى التخوف في الآية، حتى قال له رجل من هذيل: التخوف التنقص في لغتنا، والوجه الثاني: أنه من الخوف أي يهلك قوماً قبلهم فيتخرّفوا هو ذلك، فيأخذهم بعد أن توقعوا العذاب وخافوه، ذلك خلاف قوله: وهم لا يشعرون.

.تفسير الآية رقم (48):

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)}
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ} معنى الآية اعتبار بانتقال الظل، ويعني بقوله: ما خلق الله من شيء: الأجرام التي لها ظلال من الجبال والشجر والحيوان وغير ذلك، وذلك أن الشمس من وقت طلوعها إلى وقت الزوال يكون ظلها إلى جهة، ومن الزوال إلى الليل إلى جهة أخرى، ثم يمتدّ الظل ويعم بالليل إلى طلوع الشمس، وقوله: يتفيؤ من الفيء وهو الظل الذي يرجع، بعكس ما كان غدوة، وقال رؤبة بن العجاج: يقال بعد الزوال ظل وفيء، ولا يقال قبله إلا ظل، ففي لفظه: يتفيؤ هنا تجوز ما لوقوع الخصوص في موضع العموم، لأن المقصود الاعتبار من أول النهار إلى آخره، فوضع يتفيؤ موضع ينتقل أو يميل، والضمير في ظلاله يعود على ما أو على شيء {عَنِ اليمين والشمآئل} يعني عن الجانبين أي يرجع الظل من جانب إلى جانب، واليمين بمعنى الأيمان والشمائل، واستعار هنا الأيمان والشمائل للأجرام، فإن اليمين والشمائل إنما هما في الحقيقة للإنسان {سُجَّداً لِلَّهِ} حال من الظلال، وقال الزمخشري حال من الضمير في ظلاله، إذ هو بمعنى الجمع لأنه يعود على قوله: {مِن شَيْءٍ}، فعلى الأول يكون السجود من صفة الظلال، وعلى الثاني يكون من صفة الأجرام، واختلف في معنى هذا السجود فقيل عبر به عن الخضوع والانقياد، وقيل هو سجود حقيقة {وَهُمْ دَاخِرُونَ} أي صاغرون وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء.

.تفسير الآيات (49- 50):

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)}
{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض مِن دَآبَّةٍ} يحتمل أن يكون من دابة بيان لما في السموات وما في الأرض معاً، لأن كل حيوان يصح أن يوصف بأنه يدب، ويحتمل أن يكون بياناً لما في الأرض خاصة وإنما قال: ما في السموات وما في الأرض ليعم العقلاء وغيرهم، ولو قال. من في السموات لم يدخل في ذلك غير العقلاء قال الزمخشري {والملائكة} إن كان قوله من دابة بياناً لما في السموات والأرض، فقد دخل الملائكة في ذلك، وكرر ذكرهم تخصيصاً لهم بالذكر وتشريفاً، وإن كان من دابة لما في الأرض خاصة فلم تدخل الملائكة في ذلك فعطفهم على ما قبلهم {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ} هذا إخبار عن الملائكة، وهو بيان نفي الاستكبار، ويحتمل أن يريد فوقية القدرة والعظمة أو يكون من المشكلات التي يمسك عن تأويلها، وقيل: معناه يخافون أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم.

.تفسير الآية رقم (51):

{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)}
{وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين} وصف الإلهين باثنين تأكيداً وبياناً للمعنى وقيل: إن اثنين مفعول أول وإلهين مفعول ثاني، فلا يكون في الكلام تأكيد {فإياي فارهبون} خرج من الغيبة إلى التكلم، لأن الغائب هو المتكلم، وإياي مفعول بفعل مضمر، ولا يعمل فيه فارهبون لأنه قد أخذ معموله.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)}
{وَلَهُ الدين وَاصِباً} أي واجباً وثابتاً، وقيل: دائماً، وانتصابه على الحال من الدين.

.تفسير الآيات (53- 55):

{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)}
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله} يحتمل أن تكون الواو للاستئناف أو الحال، فيكون الكلام متصلاً بما قبله: أي كيف تتقون غير الله، وما بكم من نعمة فمنه وحده {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والتضرع {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتيناهم} اللام لام الأمر على وجه التهديد لقوله بعد: فتمتعوا فسوف تعلمون، فعلى هذا يبتدئ بها، وقيل: هي لام يحتمل أن يريد به كفر النعم لقوله: بما آتيناهم، أو كفر الجحود والشرك لقوله: بربهم يشركون {فَتَمَتَّعُواْ} يريد التمتع في الدنيا، وذلك أمر على وجه التهديد.

.تفسير الآية رقم (56):

{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)}
{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رزقناهم} الضمير في يجعلون لكفار العرب فإنهم كانوا يجعلون للأصنام نصيباً من ذبائحهم وغيرها، والمراد بقوله لما لا يعلمون الأصنام، والضمير في لا يعلمون للكفار أي لا يعلمون ربوبيتهم ببرهان ولا بحجة، وقيل: الضمير في لا يعلمون للأصنام أي الأشياء غير عالمة وهذا بعيد {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} إشارة إلى قول الكفار: إن الملائكة بنات الله، ثم نزه تعالى نفسه عن ذلك بقوله: {سبحانه وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} المعنى أنهم يجعلون لأنفسهم ما يشتهون يعني بذلك الذكور من الأولاد، وأما الإعراب فيجوز أن يكون ما يشتهون مبتدأ وخبره المجرور قبله، وأن يكون مفعولاً بفعل مضمر تقديره: ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون، وأن يكون معطوفاً على البنات على أن هذا يمنعه البصريون، لأنه من باب ضربتني وكان يلزم عندهم أن يقال لأنفسهم.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)}
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} إخبار عن حال العرب في كراهتهم البنات، وظل هنا يحتمل أن تكون على بابها، أو بمعنى صار، والسواد عبارة عن العبوس والغم، وقد يكون معه سواد حقيقة، وكظيم قد ذكر في [يوسف: 84] {يتوارى مِنَ القوم} أي يستخفي من أجل سوء ما بشر به {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب} المعنى يدبر وينظر هل يمسك الأنثى التي بشر بها على هوان وذل لها، أو يدفنها في التراب حية، وهي المؤودة، وهذا معنى يدسه في التراب {مَثَلُ السوء} أي صفة السوء من الحاجة إلى الأولاد وغير ذلك من الافتقار والنقص {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى من الغنى عن كل شيء، والنزاهة عن صفات المخلوقين.